الرياض- من الغفوة إلى الرؤية.. صحوة مجتمع وازدهار حضارة
المؤلف: أسامة يماني10.12.2025

تلقيتُ من صديق نبيل خواطر راقية، وددتُ مشاركتها معكم، إذ تجسد تلك الخواطر التحول العميق الذي طرأ علينا بعد حقبة من السبات العميق. لقد لامس وصفه للواقع الذي نعيشه جوهر التغيير، وإليكم ما جاء في رسالته القيمة:
«الرياض اليوم، تنبضُ بالحياة المتجددة، وكأن الزمان قرر أن يُعيد صياغة هويتها على أنغام التطور الاجتماعي المتسارع. في أرجاء المقاهي العامرة بالزوار، وشوارعها المتلألئة بالأنوار، لا ترى العيون شاردة أو لاهية، بل كل فرد منهمك في عالمه الخاص بوقار وهدوء، وكأن احترام الآخرين أصبح دستوراً غير مدون، ولكنه منقوش في أعماق القلوب. رجال ونساء، يجتمعون تحت مظلة العدالة والمساواة، لا للتنافس والصراع، بل للتآزر والتكامل. الموسيقى الهادئة تنساب من زوايا المقاهي، لتعزف سيمفونية رائعة تعبر عن تناغم الزمان والمكان؛ صوت كوكب الشرق أم كلثوم يتردد بأغنيتها الخالدة «أمل حياتي»، ليضفي على الأجواء نفحة من الشوق والرقي، وكأن هذه الأنغام باتت انعكاساً للرقي الحضاري الذي يتشكل في تفاصيل الحياة اليومية. وفيروز تشدو برائعتها (زي العسل على قلبي) متحدية كل الظروف القاسية التي يواجهها إنسان هذا العصر...
في رحاب الرياض، لم تعد الأماكن العامة ملاذاً للهروب أو ساحة للاقتناص، بل تحولت إلى ميادين للحوار البناء والتآخي الوثيق. هنا، تتفتح الثقافة، وتزدهر النفوس في بيئة تحتفي بالإنسان بما هو إنسان، دون تجسس مقيت أو قلق مدمر، وكأن العلاقة بين الناس وأماكنهم قد تجسدت في صورة حقيقية للسلام الاجتماعي المنشود.
الرياض اليوم، لوحة فنية آسرة تنبض بالحيوية والإشراق، تؤكد أن الحضارة لا تقتصر على البناء المادي الشاهق، بل هي نتاج القلوب والعقول التي تشيدها...».
إن الصورة البديعة التي رسمها صديقي للرياض يوافقه عليها كل من زارها أو عاش بين جنباتها. هذا التحول المذهل يعد قفزة نوعية لم تكن لتتحقق لولا الإرادة الصادقة والطموحة في التنمية والتجديد والتعمير والازدهار، تلك الإرادة التي كانت الغفوة تحاربها بشراسة وتعمل جاهدة على تجميد المجتمع وجعله مجتمعاً خامداً وغير متفاعل، يميل إلى الانصياع لما يمليه عليه أهل الغفلة الذين حرموا الطيبات، مثل تحريم إهداء الزهور للمرضى وتحريم الألوان الزاهية وغيرها من مظاهر التشدد والتطرف. كان أهل الغفوة يزعمون زوراً وبهتاناً أن المجتمع عاجز عن الحياة السوية، وأنهم إذا رفعوا قبضتهم الحديدية عن الشارع فسوف تسود الفوضى ويحل قانون الغاب.
ولكن خاب ظن أهل الغفوة وتبددت أوهامهم، فلم تعم الفوضى، بل ساد الوئام والتسامح، وكما قال صديقي: «كأن احترام الآخر قد غدا قانوناً غير مكتوب ولكنه محفور في القلوب، نساء ورجال يجتمعون تحت سقف المساواة لا للتنافس بل للتكامل». ويا له من وصف بليغ عندما أشار إلى أن «الأماكن العامة في الرياض لم تعد مساحات للصيد أو الهروب بل ساحات للحوار الراقي والتعايش الجميل، هنا تنمو الثقافة وتزهر الأرواح في بيئة تحتفي بالإنسان كإنسان دون تلصص أو قلق، كأنما هذه العلاقة بين الناس والأماكن قد أصبحت تجسيداً حقيقياً للسلام الاجتماعي».
لقد قتلت الغفوة في الماضي عبق التاريخ مراراً وتكراراً، مرة باسم الخوف المزعوم من البدع، ومرة أخرى تحت ستار التحذير من الشرك، ومرة ثالثة بزعم التحذير من التشبه بالنصارى، وغيرها من المبررات الواهية لطمس معالم التاريخ وإخفاء الحقائق وتشويه صورته الناصعة. اليوم، عدنا إلى تاريخنا المشرق، وأعادت الرؤية الاعتبار لتراثنا الإنساني العريق المتجذر في أعماق الأرض، تاريخ ضارب في القدم، يعود إلى فجر الحضارة الإنسانية. لقد تم وضع البرامج الطموحة التي نأمل أن تتطور لتصبح نقطة جذب للسياحة الإسلامية، وعلى رأسها مشروع "على خطى الرسول" الذي يستحق القائمون عليه كل الثناء والتقدير. ولقد سبق أن أشرت في مقال بعنوان "حلول وأفكار من ابتكارنا" إلى أهمية العناية بما يميزنا من تراث وحضارة، تلك الجوانب المضيئة التي أهملناها طويلاً وأغفلنا أدبياتها وعلومها وفكرها الثري، بينما تمسكنا بجوانبها المظلمة. العديد من الجوانب العظيمة التي طُمست يمكن إحياؤها من خلال منظومة فكرية معاصرة واستخدام أحدث الوسائل والتقنيات التكنولوجية الحديثة، حتى تظهر في أبهى صورة وأكثرها تميزاً ورقياً.
لقد أدرك الغرب والشرق وجميع دول العالم المتقدم أهمية سن القوانين والنظم التي تحمي حقوق الإنسان الأصيلة، بعيداً عن التبعية والمرجعية البشرية باسم الدين وتحت غطاء محاربة الرذيلة، والتي تهدف في حقيقتها إلى السيطرة والنفوذ على حساب مصلحة الوطن والتنمية والازدهار. طال الزمن أم قصر، فلا مكان في هذا العالم إلا للبناء والتطوير، ومن لم يدرك ذلك فمصيره الزوال والنسيان، وستتجاوزه الأحداث المتسارعة، فالشعوب خُلقت للتعارف والتآلف لا للتنابذ والعنصرية والكراهية وادعاء التفرد والتميز.
الفرق شاسع ومهول بين ما كنا عليه من ظلام وتعتيم وتضليل في عصر الغفوة، وبين ما أصبحنا عليه في عصر الرؤية من تنمية وازدهار وبناء وتطوير. وبالله التوفيق والسداد.
«الرياض اليوم، تنبضُ بالحياة المتجددة، وكأن الزمان قرر أن يُعيد صياغة هويتها على أنغام التطور الاجتماعي المتسارع. في أرجاء المقاهي العامرة بالزوار، وشوارعها المتلألئة بالأنوار، لا ترى العيون شاردة أو لاهية، بل كل فرد منهمك في عالمه الخاص بوقار وهدوء، وكأن احترام الآخرين أصبح دستوراً غير مدون، ولكنه منقوش في أعماق القلوب. رجال ونساء، يجتمعون تحت مظلة العدالة والمساواة، لا للتنافس والصراع، بل للتآزر والتكامل. الموسيقى الهادئة تنساب من زوايا المقاهي، لتعزف سيمفونية رائعة تعبر عن تناغم الزمان والمكان؛ صوت كوكب الشرق أم كلثوم يتردد بأغنيتها الخالدة «أمل حياتي»، ليضفي على الأجواء نفحة من الشوق والرقي، وكأن هذه الأنغام باتت انعكاساً للرقي الحضاري الذي يتشكل في تفاصيل الحياة اليومية. وفيروز تشدو برائعتها (زي العسل على قلبي) متحدية كل الظروف القاسية التي يواجهها إنسان هذا العصر...
في رحاب الرياض، لم تعد الأماكن العامة ملاذاً للهروب أو ساحة للاقتناص، بل تحولت إلى ميادين للحوار البناء والتآخي الوثيق. هنا، تتفتح الثقافة، وتزدهر النفوس في بيئة تحتفي بالإنسان بما هو إنسان، دون تجسس مقيت أو قلق مدمر، وكأن العلاقة بين الناس وأماكنهم قد تجسدت في صورة حقيقية للسلام الاجتماعي المنشود.
الرياض اليوم، لوحة فنية آسرة تنبض بالحيوية والإشراق، تؤكد أن الحضارة لا تقتصر على البناء المادي الشاهق، بل هي نتاج القلوب والعقول التي تشيدها...».
إن الصورة البديعة التي رسمها صديقي للرياض يوافقه عليها كل من زارها أو عاش بين جنباتها. هذا التحول المذهل يعد قفزة نوعية لم تكن لتتحقق لولا الإرادة الصادقة والطموحة في التنمية والتجديد والتعمير والازدهار، تلك الإرادة التي كانت الغفوة تحاربها بشراسة وتعمل جاهدة على تجميد المجتمع وجعله مجتمعاً خامداً وغير متفاعل، يميل إلى الانصياع لما يمليه عليه أهل الغفلة الذين حرموا الطيبات، مثل تحريم إهداء الزهور للمرضى وتحريم الألوان الزاهية وغيرها من مظاهر التشدد والتطرف. كان أهل الغفوة يزعمون زوراً وبهتاناً أن المجتمع عاجز عن الحياة السوية، وأنهم إذا رفعوا قبضتهم الحديدية عن الشارع فسوف تسود الفوضى ويحل قانون الغاب.
ولكن خاب ظن أهل الغفوة وتبددت أوهامهم، فلم تعم الفوضى، بل ساد الوئام والتسامح، وكما قال صديقي: «كأن احترام الآخر قد غدا قانوناً غير مكتوب ولكنه محفور في القلوب، نساء ورجال يجتمعون تحت سقف المساواة لا للتنافس بل للتكامل». ويا له من وصف بليغ عندما أشار إلى أن «الأماكن العامة في الرياض لم تعد مساحات للصيد أو الهروب بل ساحات للحوار الراقي والتعايش الجميل، هنا تنمو الثقافة وتزهر الأرواح في بيئة تحتفي بالإنسان كإنسان دون تلصص أو قلق، كأنما هذه العلاقة بين الناس والأماكن قد أصبحت تجسيداً حقيقياً للسلام الاجتماعي».
لقد قتلت الغفوة في الماضي عبق التاريخ مراراً وتكراراً، مرة باسم الخوف المزعوم من البدع، ومرة أخرى تحت ستار التحذير من الشرك، ومرة ثالثة بزعم التحذير من التشبه بالنصارى، وغيرها من المبررات الواهية لطمس معالم التاريخ وإخفاء الحقائق وتشويه صورته الناصعة. اليوم، عدنا إلى تاريخنا المشرق، وأعادت الرؤية الاعتبار لتراثنا الإنساني العريق المتجذر في أعماق الأرض، تاريخ ضارب في القدم، يعود إلى فجر الحضارة الإنسانية. لقد تم وضع البرامج الطموحة التي نأمل أن تتطور لتصبح نقطة جذب للسياحة الإسلامية، وعلى رأسها مشروع "على خطى الرسول" الذي يستحق القائمون عليه كل الثناء والتقدير. ولقد سبق أن أشرت في مقال بعنوان "حلول وأفكار من ابتكارنا" إلى أهمية العناية بما يميزنا من تراث وحضارة، تلك الجوانب المضيئة التي أهملناها طويلاً وأغفلنا أدبياتها وعلومها وفكرها الثري، بينما تمسكنا بجوانبها المظلمة. العديد من الجوانب العظيمة التي طُمست يمكن إحياؤها من خلال منظومة فكرية معاصرة واستخدام أحدث الوسائل والتقنيات التكنولوجية الحديثة، حتى تظهر في أبهى صورة وأكثرها تميزاً ورقياً.
لقد أدرك الغرب والشرق وجميع دول العالم المتقدم أهمية سن القوانين والنظم التي تحمي حقوق الإنسان الأصيلة، بعيداً عن التبعية والمرجعية البشرية باسم الدين وتحت غطاء محاربة الرذيلة، والتي تهدف في حقيقتها إلى السيطرة والنفوذ على حساب مصلحة الوطن والتنمية والازدهار. طال الزمن أم قصر، فلا مكان في هذا العالم إلا للبناء والتطوير، ومن لم يدرك ذلك فمصيره الزوال والنسيان، وستتجاوزه الأحداث المتسارعة، فالشعوب خُلقت للتعارف والتآلف لا للتنابذ والعنصرية والكراهية وادعاء التفرد والتميز.
الفرق شاسع ومهول بين ما كنا عليه من ظلام وتعتيم وتضليل في عصر الغفوة، وبين ما أصبحنا عليه في عصر الرؤية من تنمية وازدهار وبناء وتطوير. وبالله التوفيق والسداد.